مشاكل الاسرة وطرق حلها
إن الأسرة هي مؤسسة من المؤسسات البشرية، إذ أن أركانها هم البشر، وبما أن البشر عموماً يحملون في نفوسهم نوازع الخير ونوازع الشر، وهذه النوازع تختلج في نفوسهم، وكل منهما يحاول جر الإنسان إلىجانبه تجد الإنسان يخطأ أحياناً، ويصيب اخرى. إذن فأركان الأسرة ليسوا أناساً معصومين عن الخطأ، وهذه الأخطاء قد تنشأ في داخل الأسرة -أي فيما يهم الأسرة- سواء كان الخطأ من رب الأسرة (الزوج) أم من الزوجة، أو من الأولاد.
فوجود الأخطاء سيقود إلى نشوء المشاكل والصدامات في داخل الأسرة، وذلك أن الطرف الذي يرى الخطأ ليس سهلاً عليه أن يرى خطأ فيما يتعلق بكيان الأسرة، أو سيرها ويسكت على ذلك، فيما يتمسك الطرف المخطيء برأيه أما بظن صمته، أو من باب العزة بالاثم، وهكذا تنشأ المشاحنات والمشاكل، وهذا أمرطبيعي في كل أسرة فلا تكاد تخلو أسرة من وقوع الاختلاف إلاّ أن يكون أركانها معصومين عن الخطأ.
فما هي السبل الكفيلة بحل تلك المشاكل:
هل أن العنف هو الأسلوب الأمثل لحل تلك المشاكل والذي يؤدي إلى مصادرة آراء الآخرين وكبت حرياتهم؟
أم أن أسلوب الحوار الهاديء هو الأسلوب الكفيل بإزالة أسباب الخلاف، وحل المشاكل التي تنشأ في الأسرة؟
لاشك أن الأسلوب الأول والذي ترجح فيه كفة الأقوى في الأسرة سيحول الأسرة إلى حلبة صراع يتفوق فيها من يقوى على طرح الآخرين.
ثم أن هذا الأسلوب سيؤدي -أيضاً- إلى تعاقب القيادات على الأسرة وذلك بحسب الأقوى كما مر، فإن الأب إذا كان في مرحلة من مراحل حياته الركن الأقوى في الأسرة، فإنه بتقدم الزمان لاشك سيضعف، وسيتقوى عليه الأفراد الآخرون فيكون هؤلاء -بمقتضى ما أسس الأب من أسلوب العنف في قيادة الأسرة وحل المشاكل- هم الأجدر بقيادة الأسرة في ضوء هذه النظرية. أما الأسلوب الآخر -أسلوب الحوار- فإنه ولاشك سيعطي لكل دوره، ويشعر كل فرد من أفراد الأسرة بمسؤوليته ومكانته، وقيمته في الأسرة.
«ولعله من الطبيعي أن يحصل صدام وخلاف وتنافر في القضايا المختلف عليها على المستوى الفكري، أو العاطفي، أو المصالح في حركة الواقع الذي يعيشه الطرفان، وفي هذا المجال لابد للطرفين -الزوج والزوجة- من أن يدخلا في حوار موضوعي، عقلاني يحاول أن يدرس جذور الخلاف، وامتداداته، وطريقة الوصول إلى قاعدة مشتركة، وإلى تفاهم مشترك حوله بحيث لا يدمر العلاقة ولا يعقدها بل يصل إلى نوع من التعايش بين مواقع الخلاف تماماً كما هو التعايش بين مواقع اللقاء»([1]).
إن أكبر المشاكل التي تنشأ في الأسرة يمكن حلها من خلال الحوار الموضوعي الهاديء، الذي يصغي كل طرف في الأسرة فيه إلى الطرف الآخر ويسمع ما عنده بنفس الطالب للحقيقة، المتقبل للحق الخاضع له.
في حين تتعقد أبسط الأمور وتتدرج لتصل إلى مشكلة جسيمة فيما لو اعتد كل من الطرفين -الزوج والزوجة- برأيه على حساب الحق، فإن ذلك ولاشك لا يمكن أن يقود إلى حل مشكلة ما -ولو كانت بسيطة- بحال من الأحوال.
كيف تسعد الحياة الزوجية:
إن السعادة من الأمور التي تصنع، لا من الأمور التي تحصل دون تهيئة مقدماتها. فالسعادة من الأمور التي ينشدها كل من الزوج والزوجة في حياتهما الزوجية، إذ أنها كفيلة بتحويل حياتهما إلى جنة، لا يهنأ أحدهما إلاّ من خلال وجوده فيها.
«فالسعادة ليست نجمة سحرية قد تسقط في حضن الإنسان فيصبح سعيداً محظوظاً، وقد لا تسقط فيصبح شقياً منكوباً، ذلك لأن السعادة لا تعيش خارج إرادة الإنسان، وإنما هي ملك يده، وفي اختياره»([2]).
فلا يمكن للزوج مثلاً أن يرجو السعادة من زوجة لم يشعرها يوماً بإنسانيتها، ولم يتعامل معها على أساس أنها إنسانة، ثم أن هذه الزوجة التي لم تقدم لزوجها أسباب السعادة لا يمكن أن نتهمها في كونها هي المسؤولة عن عدم تقديم السعادة لزوجها، وإنما السبب في ذلك هو الزوج، فهو الذي هيأ أسباب فقدان السعادة.
وبالمقابل يكون هو الذي جلب السعادة وصنعها فيما لو أحسن معاملة زوجته فكانت زوجته مثالاً للزوجة التي تقدم السعادة على كف الراحة والرضا لزوجها. وهكذا الأمر من جهة الزوجة.
فالسعادة «هي ببساطة، أن يصوغ الانسان السعادة، وأن ينسجم مع واقعه، فأنت سعيد بزواجك إذا أردت لنفسك أن تسعد، وزرعت السعادة في أعماقك بحسن الاختيار، وبقبول الواقع، والعمل على استخلاص خير ما فيه.
إن الرجل الذي يملك زوجة ذات جمال رائع، وأخلاق مناقبية طيبة، وذكاء خارق، ليس من المحتم أن يكون سعيداً»([3]) فليس الجمال الخارق لوحده هو الذي يجلب السعادة فيما لو خلا من الصفات الأخلاقية.
فعلى الرجل ان يأخذ بعين الاعتبار بأنه لو أطلق العنان لنفسه لتختار ما تريده من المواصفات التي يعتقد بأنها سوف تجلب له السعادة فإنه سوف لن يصل إلى تلك السعادة التي ترجوها النفس أبداً.
فمن نال قدراً معيناً من الجمال قد ينتظر جمالاً بدرجة أكبر من تلك التي حصل عليها، ومن حصل على زوجة بدرجة معينة من الخلق فإنه ولا شك سينتظر «أخلاقاً ألذ، وذكاءاً أكثر نفوذاً في الأشياء. بينما لو كان متفهماً لواقع زوجته راضياً بما تملك من آيات الجمال، والفهم، والذكاء، لكان من أسعد الناس. إن الذين يظنون أن السعادة هي في أن يملك الإنسان ما ليس يملك يخطئون حتماً، لأن الذين يملكون كل شيء ولا يملكون السعادة في داخلهم ليسوا بالحتم سعداء. وعلى ضوء هذه الحقيقة لابد أن تطلب السعادة الزوجية»([4]).
إذن فالسعادة تطلب من خلال مقدماتها التي يجب القيام بها، وليست السعادة مما يعطى دون القيام بتلك المقدمات. والإسلام من خلال السيرة التي وصلتنا من الرسول الكريم، وأهل بيته الطاهرين يكشف لنا الطرق التي يمكن من خلالها التوصل إلى السعادة في الحياة الزوجية. وهناك قواعد أربع ذكرت لمن يروم الحصول على السعادة في الحياة الزوجية وهي:
1- وجوب احترام الزوجة: فعلى الزوج أن يدرك بأنه لم يكن باتخاذه زوجة قد اتخذ خادمة مطيعة له، وأنه ليس عليها -حسب الشريعة الإسلامية- تجاهه سوى تلك الوظيفة التي تتعلق بالفراش، أما قيامها بغير ذلك من الوظائف المنزلية فإنه إحسان منها وتفضل و{هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان}.
وقد ورد عن رسول الله(f) في ذلك قوله:
«من اتخذ زوجة فليكرمها».
2- لا تحاول أن تجعل من علاقتك مع زوجتك علاقة روتينية جامدة تقوم علىأساس جاف في ممارسة كل منكما لوظيفته بل التمس لحياتك مع زوجتك علاوة على عنوان الزوجية عنواناً آخر كالصداقة مثلاً ليضيف على تلك السمة الروتينية مرونة أكثر تجعل الحياة ألذ وأهنأ.
3- إذا كنت تجد ضرورة وضع نفسك موضع المراقب على الزوجة فليس عليك أن تجعل من نفسك شرطياً عليها يراقب جميع تصرفاتها فإن ذلك سيؤدي إلى خلق الفجوة بينكما، بل كن معها كالمربي المداري العالم بخصوصيات من يربيه، فيتسامح معه عند الهفوة ويشجعه عند الإحسان.
4- إن إدارة شؤون المنزل هي من صميم اختصاص المرأة، وليس الرجل -مهما كانت لديه خبرة- بقادر على مضاهاة المرأة في ذلك، ولذا فليس من العيب ترك إدارة شؤون المنزل إلى الزوجة، وليس نقصاً الانصياع لإرادتها في تلك الشؤون فيما لو تعارضت مع إرادة الزوج ورأيه، تماماً كما أنه ليس عيباً انصياع الزوجة إلى إرادة زوجها، وإطاعتها رأيه فيما يخص خارج المنزل.
ففي «القضايا الصغيرة التي لا تهم إلاّ المنزل لا تمتنع عن تنفيذ إرادة زوجتك، وإن جاءت إرادتها مخالفة لإرادتك، وتذكر دائماً أن هذه القضايا الصغيرة ليست هي الحياة كلها بل أنها لا تستحق شيئاً من التفكير، والنصيحة التي يمكن تقديمها بهذا الشأن للرجل تتلخص في الجملة التالية:
اترك إدارة المنزل للزوجة، وتفرغ أنت للقضايا الهامة»([5]).
خلاصة موقف الإسلام من الأسرة:
بعد كل ما تقدم من بحث لموضوع الأسرة منذ كونها مشروعاً قيد الدرس وحتى الشروع في تأسيس ذلك المشروع إلى كونه كياناً قائماً، والخوض في تفاصيله نقدم خلاصة لموقف الإسلام من الأسرة.
إن الدين الإسلامي ينظر إلى الأسرة كمؤسسة إلهية قامت على رباط إلهي مقدس تضطلع بدور مهم لا يمكن لأية مؤسسة أخرى أن تحل محلها في ذلك، ولذلك تجد الدين الإسلامي يضع العقوبات الصارمة بحق من يحاول أن يدنس هذا الكيان المقدس أو أن ينال من طهارته، كما وضع الضوابط اللازمة التي يجب اتباعها عند إرادة تأسيس هذا الكيان، ثم التدابير الاحترازية التي يمكن من خلالها تجنب وقوع الاضطراب في الأسرة.
فالأسرة مهد يتمرغ ثمراتها فيه، فلابد من الحرص على ابقاء هذا المهد مهد أمن وأمان ينعم فيه الأولاد كي ينشأوا آمنين مطمئنين ليكونوا أقدر على العطاء.
فليس على الإنسان أن ينساق وراء الصيحات المغرضة التي تحاول سلب الأسرة دورها الإلهي، واعطاء ذلك الدور لمؤسسات أخرى كالمدرسة، ودور الرعاية وغيرها.
فنحن لا ننكر الدور الذي تضطلع به المدرسة ولا ننقص من شأنها، ولكن نقول أن لكل دوره الخاص به، فالأسرة لا تقوم بالدور الذي تقوم به المدرسة من التعليم والتثقيف، كما أن المدرسة لا يمكن أن تقوم بما تقوم به الأسرة من دور مهم في بناء شخصية الطفل، واعطاءه دروس الحياة الأولى في الأخلاق والمثل.
فالمدرسة يمكنها أن تعطي العلم ولكن ليس من صميم اختصاصها اعطاء دروس الأخلاق والمثل العليا، وإن كان ذلك مما يمكن اعطائه في المدرسة فليس المعلم -في الواقع- بأحرص من الوالدين على تعليم تلك المثل للأولاد.
ثم أن المعلم قد يعتقد بايديولوجية تختلف تماماً عن ايديولوجية العائلة، فلا يمكن بناءاً على ذلك أن تحل المدرسة أو غيرها من المؤسسات الاجتماعية محل الأسرة في الإسلام.
الأسرة في المجتمعات الحديثة:
لاشك في القول بأن الأسرة الحديثة لم تعد هي الأسرة قديماً، بل تغيرت معالمها كثيراً لا من حيث الشكل -طبعاً- وإنما من حيث الدور الذي تقوم به الأسرة، وإن كان هناك طروء على الشكل من قبيل تقلص حجم الأسرة ولكن الشكل العام للأسرة باق ولم يتغير في شيء، فالأركان التي تتكون الأسرة منها هي الأركان في الأسرة قديماً وحديثاً.
إن الأسرة التي كانت تتكفل بوظائف لا يشاركها فيها غيرها، قد أضحت هناك مؤسسات أخرى تشارك الأسرة هذه الوظيفة فقد «أدى تطور الحياة البشرية، واستقرار الإنسان، وبناء المجتمعات المدنية والقروية، وزيادة الخيرات الانسانية وتعدد أنواع المعرفة البشرية إلى أن تشارك مؤسسات أخرى الأسرة في واجب الرعاية، والاهتمام، والتربية، والتوجيه»([6]) إن هذه المشاركة - مشاركة المؤسسات الأخرى للأسرة في بعض الأدوار- لا غبار عليها لو كانت تلك المؤسسات تحتوي كادراً يمتلك القدرة على تحمل مسؤوليته الملقاة على عاتقه، فلا كلام لو كان ذلك الكادر يعتبر ذلك الجيل أمانة تحت يده، إذ واجبات الأمين أن يصون تلك الأمانة.
ولكن الخطر كل الخطر فيما لو كان ذلك الكادر ليس أهلاً لتلك المسؤولية، ولا هو مما يمكن ائتمانه على النشىء، فقد تختلف أخلاقيات ذلك الكادر، وأيديولوجيته، وعقائده، مع أخلاقيات العائلة، وعقائدها، فإنه أخطر شيء فيما لو مارس ذلك الكادر دوره في تثقيف الطفل بالعقائد، والأفكار التي يحملها.
إن هذه المسألة من الأمور التي يجب النظر إليها بعين الاعتبار، وإلاّ فسوف يكون لذلك الأمر من النتائج الوخيمة ما لا يحمد عقباه، والكادر في المؤسسات غير الأسرة لو كان يحمل فكراً أصح وأسلم من فكر العائلة فإن الأمر لا بأس به أيضاً ولكن الضرر فيما لو فرض العكس.
فهل يحرم الأهل الأولاد من التعليم مثلاً حلاً لتلك المعضلة؟ وهذا أمر غير ممكن، أم أنهم يتركون الحبل على الغارب فيكون الخطر هو احتمال انحراف الأولاد، أو وقوعهم في التناقض بين ما يتلقونه من الأسرة، وما يحصلون عليه من المدرسة أو غيرها.
فالأهل عليهم العناية بهذا الأمر أشد العناية وعليهم مراقبة الطفل ومتابعة ما يحصل عليه، وتصحيح ما لا يصح منه.
تقصير الأهل تجاه الأولاد:
إن من مشاكل العصور الحديثة هو المشاركة المطلقة من قبل المرأة للرجل في كافة مجالات الحياة بحيث بدا هناك تقصير واضح تجاه الأولاد، مما قاد إلى مشاكل كثيرة.
«إن المجتمعات الحديثة وقد خرجت فيها المرأة مع الرجل إلى العمل جعلت الأبوين منصرفين عن العناية والرعاية لأطفالهما، لأنهما يعودان من العمل منهكين متعبين محتاجين إلى الراحة الجسدية، مما يفقد أبنائهما عواطف المحبة، والرحمة، والنظر في مشاكلهم التربوية والتعليمية، وحاجتهم إلى الحنان والرعاية، ومثل هذه الأسرة لا تفقد أبنائها ما تقدم ذكره حسب بل تجعلهم يتعلمون كثيراً من أنواع السلوك السيء، والعادات الضارة من الشارع، أو صحبة الأشرار، أو الخدم في البيوت»([7]).
إن من يريد لأسرته، وأولاده أن ينشأوا النشأة الصحيحة، فعليه أن يتخلى عن بعض الجوانب التي تعود بالضرر على الأسرة من جهة التقصير في الإدارة والتوجيه، وإن كان ذلك قد يسبب له ضرراً مادياً. فسلامة الأسرة واستقامتها أهم بكثير من النفع المادي.
تخلي الأسرة عن بعض وظائفها:
إن الأمر لو توقف عند حد مشاركة بعض المؤسسات للأسرة في وظائفها لكان هيناً ولكن الأمر -في العصور الحديثة- قد تفاقم إلى الحد الذي بدأت فيه الأسرة -ذاتها- تتخلى عن بعض وظائفها بدوافع شتى منها السعي وراء المنافع المادية واهمال جانب الأولاد كما تقدم ذكره.
فقد «تخلت الأسرة عن بعض ما كانت تقوم به بالرغم من أنها ظلت المؤسسة الأولى في حياة المجتمع الحديث أيضاً في التربية»([8]).
إن التغيرات الاجتماعية، وابتعاد الناس عن التمسك بالدين، وبالمنهاج الذي رسمه في قيادة الأسرة قاد إلى مثل هذه النتائج الوخيمة، «لقد فقدت -الأسرة- نتيجة التغيرات الاجتماعية كثيراً من وظائفها التي كانت تقوم بها عن ذي قبل فأدى ذلك إلى تفكك عرى الأسرة، وانهيار الروابط التي كانت تربطها فيما قبل»([9]).
إذن فهناك أسباب جاءت من قبل الأبوين، وهناك أسباب جاءت من قبل المجتمع فيمكن درج تلك الأسباب التي أدت إلى تخلي الأسرة عن بعض وظائفها مما أدى إلى انحلال روابطها بالتالي:
(1) انهماك الأبوين وانشغالهما عن الأولاد، ووظيفة توجيههم ورعايتهم بالسعي وراء المطالب الدنيوية، والمنافع الاقتصادية تاركين جانباً الأسرة كالسفينةالتي تتقاذفها أمواج البحر نتيجة فقدان ربانها.
(2) عدم اهتمام الأهل بالاعلام الموجه ضد الروابط العائلية فالعائلة كما تقدم في الباب الأول من الكتاب مؤسسة مستهدفة من قبل الصهيونية العالمية، ومن قبل الشيوعية كما تقدم ذكره، لذا يتعين على الأهل توخي الحذر من البرامج التي تضلل الأولاد وتدفعهم إلى التمرد على الأسرة وروابطها.
(3) الابتعاد عن الدين وهذا أمر خطير جداً، فالدين الإلهي هو الذي يحث على الحفاظ على هذا الكيان المقدس والوقوف بوجه من يحاول تهديد أمنه وسلامته، فالرجوع للدين ضمان لسلامة العائلة إذ فيه النهج الذي يمكن من خلاله المحافظة على الأسرة.
إن الأمر المخيف هو ازدياد الأمر سوءاً، وتفشي هذه الحالة الاجتماعية بصورة تدريجية حتى يخشى أن يصل اليوم الذي تفقد الأسرة، أو تتخلى فيه عن جميع وظائفها التي كانت تقوم بها. وهذا الأمر من نتائج الاضطراب الأخلاقي الذي تعيشه المجتمعات في العصور الحديثة.
يقول بعض المربين في هذا الشأن: «والواقع أن من مخاطر المجتمع الحديث الرئيسية أن الدور الطبيعي الذي كانت تقوم به الأسرة يتضائل نتيجة لاستيلاء مؤسسات أخرى على كثير من مسؤولياتها، -يعني الأسرة- ونخشى نتيجة التضاؤل أن تفقد الأسرة الأثر الفعال الذي هو من أهم قوى الاستقرار في المجتمع»([10]).
إن الأمر -وهذا ما يؤسف له- بدأ يتفاقم بحيث بات يتهدد مجتمعاتنا التي مازلنا نفتخر بتماسك الأسرة فيهان ولم يقف الخطر عند حدود المجتمعات الأخرى كما يقول البعض ممن لا يلتفت إلى التطور العلمي الحاصل حوله، فيغمض عينه عن ذلك، أو يحبس نفسه في الأقبية ظاناً ن الخطر سوف يتعداه.
ففي ضوء العولمة التي صار العالم فيها أشبه بقرية لم يعد مستحيلاً لمن يريد بث فكرة -بغض النظر عن كونها هدامة أو غيرها- أن يوصل هذه الفكرة إلى أي بيت شاء من العالم. فعلينا أن نعي المشكلة، ونحاول جاهدين وضع الحلول المناسبة لها.
فالواقع -وأقول ذلك بكل صراحة- أن الكل مقصر في هذا المجال، فالعالم الذي أغلق بابه عليه معتقداً بأنه بعمله هذا قد أوصد الباب أمام ذلك الخطر كي يصل إلى بيته مخطيء كل الخطأ في ذلك. خصوصاً إذا كان قد أسرف في طلب العلم حتى أهمل جانب العائلة، فهو في الوقت الذي يحسب بأنه يخدم المجتمع في جده واجتهاده قد ساهم في هدم المجتمع من حيث لا يشعر حيث ترك أمر العائلة وتوجيهها، وإني ضربت مثالاً لذلك بالعالم، لأن العالم هو أكثر المعنيين بحل هذه المشاكل الأخلاقية والتي يجب أن يبدأ الحل فيها من العائلة.
فالأسرة -وأكرر هذا ثانية وثالثة و...- مستهدفة، وخصوصاً أسرتنا المسلمة من قبل القوى المعادية للإسلام، فقد ذكرت ذلك في الباب الأول من الكتاب ولا بأس بإعادة ذكره تتميمياً للفائدة، وتنبيهاً لمن غاب عن ذهنه أمر خطير كهذا.
فالبروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون ينص على التالي:
«إن الغاية تبرر الوسيلة، وعلينا حينما نضع خططنا أن لا نلتفت إلى ما هو خير وأخلاقي. ومن الناس من أضلته الخمرة، وانقلب شبابهم -ويقصدون بذلك شبابنا- إلى مجانين، والمجون المبكر. هذه الوسائل التي أغراهم بها وكلاؤنا، ومعلمونا، وخدمنا، وقهرماتنا في البيوتات الثرية،وكتابنا، ونساؤنا في أماكن لهوهم»([11]).
والماسونية العالمية لم تكن بأفضل من ربيبتها الصهيونية في عداءها للأسرة والتخطيط لهدمها بكافة الوسائل المتاحة لديها.
فالماسوني الشهير (بيكرتو) أظهر حقيقة هذا العداء الماسوني للأسرة في الخطاب الذي ألقاه عام 1921 قائلاً: «بغية التفرقة بين الفرد وأسرته عليكم أن تنتزعوا الأخلاق من أسسها، لأن النفوس تميل إلى قطع روابط الأسرة، والاقتراب من الأمور المحرمة...»([12]).
وهكذا موقف النازية، والشيوعية،بل وحتى الأفكار الفلسفية للفيلسوفين الذين يتأثر بهما العالم أيما تأثر وهما أفلاطون وأرسطو تفيض بهذا العداء للأسرة فكيف لا يجب توخي الحذر في ذلك.
ثم هَبْ أن الخطر يتحدد بحدود المجتمعات الأخرى -وهو ما لا نقول به- ولكن نسلم بذلك جدلاً- فإن المشكلة ولاشك تخصنا كذلك وتهدد أسرتنا المسلمة.
فكم هو عدد المسلمين الذين ألجأتهم الظروف القاهرة -من الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية- إلى مغادرة بلدانهم طالبين الأمن والأمان والعيش الرغيد بين ظهراني المجتمعات الغربية؟
ألم تكن هذه الأسر واقعة تحت مسؤولياتنا بحيث يتوجب علينا بما تتاح لنا من السبل أن نقف في وجه كل ما يتهددها ويدمر كيانها؟
إننا جميعاً يجب علينا السعي، والجد في سبيل انقاذ أسرنا المسلمة من هذا الشبح المرعب الذي يحاول أن يمسخ الأسرة المسلمة التي كانت ولا زالت ويجب أن تبقى مفخرة إلهية نفتخر بها في مجال تقديم مباديء الطهر والفضيلة لابنائنا.
مكانة المرأة في الأسرة:
إن المرأة تعد -بلاشك- العماد الذي تقوم عليه هذه المؤسسة المقدسة -الأسرة-، والمحور العاطفي الذي يدور حوله جميع أعضاء الأسرة ليستمدوا منه أسباب العطف، والشمعة الموقدة بالحب التي تشد إليها فراشات الأسرة، وذلك أن الأسرة إنما يجمعها إطار المنزل، والمرأة بما أنها المسؤولة عن شؤون هذا الكيان الذي يلف أعضاء الأسرة كان للمرأة الدور الكبير في الأسرة.
فأنت ترى -مثلاً- بأنه لو فقد الأب من الأسرة قلما تتعرض الأسرة للتفكك وذلك أن حنان الأم يمكن أن يشد أعضاء الأسرة إليها وحتى لو فرض أن المرأة تزوجت بغير الأب، فإن ثمرة هذا الزواج -أعني الأولاد الجدد- سوف لا يدب بينهم البغض والشحناء وذلك أن الأم تنفث حنانها في الجميع وتجمع قلوب الجميع على المحبة.
أما لو فرض العكس فإن الأولاد الجدد سوف لا يحملون الود للأخوة من أبيهم غالباً وذلك أن الأب لم يكن جليس البيت كي يتمكن من جمع هذه القلوب، وزوجة الأب يندر أن تربي أولادها على هذا الحب، اللهم إلاّ القلّة النادرة.
لقد «كانت المرأة فيما قبل مستقرة في بيتها، تعنى بتربية أولادها، والقيام بشؤون زوجها، وكانت تقوم مقام المعلم بين أبنائها مشتركة مع الرجل في ذلك»([13]).
مكانة المرأة في الأسرة الحديثة (عنف مبطن):
إن أبواق الدعاية المعادية للأسرة كانت قد أثرت أثرها في الأسرة الحديثة، فهذه الأبواق ما فتئت تنادي بالدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة، وأنها -المرأة- لا تفترق عنه -الرجل- في شيء، فيجب أن تشاركه جميع ما يقوم به من أعمال دون استثناء، وبات هؤلاء يذرفون دموع الثعالب شفقة على المرأة، ودفاعاً عن حقوقها، وهذا ما قاد إلى أن تنساق الكثير من النساء غافلات عن ما تحمل هذه الدعوة من امتهان لكرامتهن، وتضليل وخلط للمفاهيم.
«فقد خرجت الزوجة لتقوم بأعمال تشابه أعمال الرجل، وأصبحت شؤون المنزل، والقيام بمهامه عملاً ثانوياً بالنسبة لها. وأصبحت المرأة في كثير من الدول ترى أن انجاب الأطفال يتعارض مع قيامها بتولي الوظائف العامة، الأمر الذي نجم عنه تحديد النسل، وعدم التفكير في انجاب الأطفال»([14]).
وهذه هي أهم الوظائف التي لا يمكن أن يحل محل المرأة فيها أي إنسان آخر، وهي الوظيفة التي جعل الله تعالى مهمة القيام بها من اختصاص المرأة.
ولكن المرأة، وهو ما يؤسف له باتت تتخلى تدريجياً عن تلك الوظيفة، أو تقليصها إلى أدنى حد ممكن.
أما من تنجب من النساء فإنها وبدافع ما ألقي في ذهنها من قبل أعداء الأسرة تخلت عن وظيفة ارضاع الطفل وهي التي تضمن للطفل بناءاً جسدياً قوياً، وتعطيه مناعة منقطعة النظير ضد الأمراض، وذلك بحجة المحافظة على جمال جسمها وكأنها جعلت من جسمها وسيلة للعرض أمام الآخرين.
كما أنه «مما لا شبهة فيه أن المرأة مسؤولة عن تهيئة الجو الاجتماعي، والنفسي لنشأة الأطفال نشأة سليمة متكاملة، وقد نجم عن تخليها عن هذه الوظيفة كثير من المضاعفات السيئة وكان من أهمها انهيار الأسرة.
فقد أصبح التقاء المرأة بزوجها، وأطفالها التقاءاً سريعاً، وأصبحت الأسرة في نظر الكثيرين أكثر شبهاً بـ(اللوكاندة) من دون أن يوجد ذلك الرباط الاجتماعي والنفسي الذي يربط بين أفراد الأسرة، والذي يدعوهم دائماً إلى وضع مصلحة الأسرة فوق كل اعتبار»([15]).
إن على المرأة أن تدرك جيداً بأن هذه الصيحات التي تدعوا إلى المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء هي صيحات إلى سلخ أنوثة المرأة عنها، وامتهان كرامتها، وهي صيحات خلطت قصداً بين المفاهيم كي تضلل على النساء، وتشوش أفكارهن كي يتخلين عن وظائفهن الأسرية وبالتالي يهدُّون الأسرة.
فعلى المرأة أن تعلم بأن تركيبتها الجسدية (العضوية)، والنفسية تختلف عن الرجل. فهي مخلوق أكثر شفافية من الرجل، وأشد عاطفة منه، فتكليف المرأة القيام بما يقوم به الرجل بلا استثناء امتهان لكرامتها بلاشك، وهو من قبيل أن تكلف ابنك البالغ من العمر ثلاث سنين بحمل ما يستطيع حمله ابنك البالغ من العمر عشرين عاماً.
فهل أن العقل يقبل بهذا يا ترى هذا بالنسبة للأعمال الجسدية.
أما بالنسبة لتكليف المرأة ما لا يتناسب مع العاطفة التي تحملها فإنه امتهان لها كذلك، وقساوة عليها في نفس الوقت. فإن تكليف المرأة بالقضاء لا يتناسب مع عاطفتها التي تتأثر سريعاً مهما حاولت التجلد. وهذا ظلم للمرأة أيضاً.
ثم أن دعوتهم هذه فيها خلط في المفاهيم. فإن ما يدعون إليه ليس هو المساواة وإنما هو التكافؤ المرفوض وهو الذي يقضي تكافؤ المرأة مع الرجل في كل شيء. أما المساواة فلا يعنى بها ذلك أبداً.
فالمساواة هي فرض الواجبات، وبسط الحقوق لكل بما يتناسب مع طاقته.
ولذلك تجد بعض التكاليف الخاصة بالرجل تختلف عنها في المرأة، والتكاليف التي تقع على عاتق الشيخ تختلف عن تلك التي يكلف بها الشاب وهذه هي عين المساواة، أما تكليف الجميع بنفس التكاليف مع اختلاف الطاقات البدنية والنفسية فهذا ما لا يمت إلى المساواة بصلة.
قالوا في تخلي المرأة عن وظائفها الأسرية.
إن تخلي المرأة عن القيام بأعباء وظائفها الأسرية لم يكن أمراً مرفوضاً من قبلنا حسب، وإنما يعد أمراً مرفوضاً من قبل البشر جميعاً وذلك أن سنة الحياة اقتضت قيام المرأة بهذه الوظائف، وأن هذه الوظائف مما يوافق فطرة المرأة وغريزتها ولكن أعداء الأسرة هم الذين يحاولون جاهدين صرف المرأة عن فطرتها هذه. ولكي نعزز موقفنا الرافض لهذا التخلي الخاطيء للمرأة عن وظائفها ننقل أقوال العلماء والمفكرين من كافة المذاهب كي نثبت أن هذا الأمر مرفوض من قبل الجميع.
* الفيلسوف برتراند راسل:
يقول الفيلسوف برتراند راسل: «إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة، وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد على تقاليد الأخلاق المألوفة»([16]).
* العالم الاقتصادي جون سيمون:
أما العالم الاقتصادي جون سيمون فيقول: «النساء قد صرن الآن نساجات، وطباعات، وقد استخدمتهن الحكومة في معاملها، وبهذا فقد اكتسبن بضعة دريهمات، ولكنهن في مقابل ذلك قد قوضن دعائم أسرهن تقويضاً، نعم إن الرجل صار يستفيد من كسب امرأته، ولكن بإزاء ذلك قل كسبه لمزاحمتها له في عمله...»([17]).
* العالم الاجتماعي أوجست كونت:
لقد وجهت (هيركور) سؤالاً لاوجست كونت عن رأيه في المرأة فأجابها: «إن أصالة المرأة في الهيئة الاجتماعية إذا جرت على النسق الذي تريدينه كما هي حالة الرجل فيكون أمرها قد انتهى فإنها تصير مستعبدة مملوكة»([18]).
* الكاتبة أني وورد:
«لئن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم، أو كالخوادم، خير، وأخف بلاءاً من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة، والعفاف، والطهارة. الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء، نعم إنه العار على بلاد الانجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال»([19]).
* الاستاذ شفيق جبري:
«إن المرأة في أمريكا أخذت تخرج عن طبيعتها في مشاركتها للرجل في أعماله، إن المشاركة لا تلبث أن تتضعضع بها قواعد الحياة الاجتماعية، فكيف تستطيع المرأة أن تعمل في النهار، وأن تعنى بدارها، وبأولادها في وقت واحد، فالمرأة الأمريكية قد اشتطت في هذا السبيل اشتطاطاً قد يؤدي في عاقبة الأمر إلى شيء من التنازع بينها وبين الرجل»([20]).
* صاموئيل سمايلس:
«إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما تنشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية لأنه يهاجم هيكل المنزل، ويقوض أركان الأسرة، ويمزق الروابط الاجتماعية»([21]).
* السيدة أمينة السعيد:
«إن الجهل مازال منتشراً في النساء، وإن التشريعات العائلية بصورتها الراهنة أحق بالعلاج من دخول البرلمان... والبيت في رأيي جنة ما بعدها جنة، واستقرار المرأة فيه يعادل آلاف الحقوق السياسية»([22]).