زرقاء اليمامة
منذ سنوات بعيدة , كان يسكن أرض اليمامة قبيلتان كبيرتان قويّتان، تقوم بينهما حروب كثيرة. وظهرت في إحدى القبيلتين فتاة صغيرة عاقِلَةٌ جَميلَةٌ، وكانتْ عَيْناها أجْملَ ما فيها، كانَتْ تَرى بِهمِا الأشياءَ مِنْ خِلالِ مَسافاتٍ بَعيدَةٍ جدّاً، والنّاسُ يُعْجَبونَ مِنْ قُوَّةِ نَظَرها، فَسُمِّيَتِ الفَتاةُ .” زرقاء اليمامة “.
فرح أهل القبيلتين بالفتاة، فقد كانت تساعدهم في الحروب. تقف فوق جبل عال
وتنظر في اتجاه أرض الأعداء، وترى جيشهم قادما من بعيد، قبل أن يصل بيومين،
فتخبر رجال قبيلتها فيحملون السّلاح ويستعدوا لمواجهة العداء ، وينتظرون في القلاع، وعندما يقترب
رجال قبيلة الأعداء، ينقضّون عليهم ويهزمونهم، وفي كل مرّة ينتصر اهل زرقاء اليمامة على المهاجمين.
وفي آخر النهار تجتمع قبيلة زرقاء اليمامة ، وتحتفل بالنّصر، ويهتف الأولاد والبنات تحية لـ زرقاء اليمامة التي كانت عيناها القويتان سببا في انتصار قبيلتها
أدرك قائد قبيلة الأعداء أنهم لن يستطيعوا هزيمة قبيلة زرقاء اليمامة..وعرف سرّ زرقاء اليمامة التي تراهم من مسافات بعيدة، وتخبر جيشها فيستعدّون.
فكّر قائد الأعداء في حيلة ينتصر بها على قبيلة زرقاء اليمامة. أخيرا اهتدى إلى خطّة ماكرة، جمع القائد جنوده وقال لهم:على كلّ رجل أن يقطع شجرة صغيرة أو غصن شجرة كبير يحملة بيده ويمشي ويختبئ خلفه ، حتى إذا نظرت زرقاء اليمامة من بعيد , فلا ترى إلا شجرا فتظنه مثل بقية الشجر هنا كما ترون نفّذ الجنود أمر القائد، ووقف الجيش عند مسافة بعيدة من ديار قبيلة زرقاء اليمامة ينتظر أوامر القائد .
أرسل القائد رجلا ليصعد على قمّة جبل قريب من قبيلة زرقاء اليمامة ليأتي بالأخبار
نظرت زرقاء اليمامة إلى الجبل وقالت لقومها:أرى رجلا فوق الجبل، ينظر ناحيتنا باستمرار. أعتقد أنه جاسوس، هو الآن ينحني ويصلح نعله بدأ رجال الأعداء يتحرّكون من خلف الجبل في اتجاه قبيلة زرقاء اليمامة، ومع كل منهم شجرة صغيرة يختبئ ورائها، ساروا بسرعة في اللّيل، وعندما طلع النّهار صَعِدَتِ الزَّرْقاءُ إلى القَلْعَةِ وَنَظَرَتْ فَرَأتْ شَيْئاً عَجَباً.
رأت زرقاء اليمامة شجرا يتحرّك، وكأنّه يمشي.
فقالت لقومها : أرى شجرا يمشي نحونا. ضحك الناس من زرقاء اليمامة وسخروا منها.
فقالت لهم : لعلّ وراء هذا الشّجر فرسانا!. لم يهتم القوم بما تقول.
وقال شيخ القبيلة : ليس هناك شجر يمشي ويتحرّك، عودوا إلى بيوتكم، وعند الصّباح نرى
جميعا كيف يمشي الشّجر .. ها.. ها.. ها
لكن، عندما جاء الصّباح، وصل جنود الأعداء، وهجموا على قبيلة زرقاء اليمامة، وقتلوا وأسروا منهم عددا كبيرا.
وَبَحَثَ قائدُ الْجَيْشِ المُهاجِمِ عَن الزَّرْقاءِ، فَلَمّا اُحْضِرَتْ لَه .
قال: “أَنتِ الّتي أخَّرْتِ جَيْشي مِراراً قَبْلَ هذِهِ المَرَّةِ، وَمَنَعْتِهِ أنْ يَأْخُذَ اليَمامَةَ فَكُلَّما أَقْبَلْتُ بِجيْشٍ نَظَرْتِ فَكَشَفْتِ مَكانَهُ وَأخْبَرْتِ قَوْمَكِ ليَسْتَعِدّوا لي ” .
قالَتْ : ” وَكُنْتُ أتَمَنّى أَنْ أُؤخِّرَهُ هذِهِ المَرَّةَ أيْضاً “.
قالَ : ” لكنَّ عَقْلي غَلَبَ عَيْنَيْكِ “.
قالَتْ : ” لَمْ يَغْلِبْها، وَلكنَّ أهْلي كَذَبوني حينَ أَخْبَرْتُهُم “.
قالَ : “هَلْ تُحِبّينَ أنْ تَصْحَبيني، وَتُخبريني عَنْ كُلِّ مَنْ يَقْصِدُ بِلادي، وَلن أُكّذِّبَكِ كَما كَذَّبَكِ أهْلِك”.
قَالتْ : كَثْرَةُ البُكاءِ عَلى أَهْلي وَالحُزْنُ عَلى وَطَني يُضْعِفُ عَيْني فَلا يجْعَلُني أرى شيْئاً “.
قال : “الآنَ وَجَبَ عَلَيَّ أَنْ أَحْرمَكِ عَيْنَيْكِ ”
قَالتْ : إذَنْ تُحْسِنُ إلَيَّ فإنَّهُ لا فائِدَةَ لي في عَيْنيَّ إذا لَمْ أخْدُمْ بهما وَطَني ، وَفَقْدُهُما خَيْرٌ لي مِنْ أَنْ أُبْصِرَ بِهما العَدوَّ الّذي قَتَلَ أهْلي وَخَرَّبَ وَطَني، والآنَ افْعَلْ بِعَيْنَيَّ ما شِئْتَ، وَلا تَطْمَعْ مِنَ الزّرْقاءِ أَنْ تَخْدُمَ بِهِما عَدُوَّ الوَطَن”.
وماكان من قائد الجيش إلا انه امر بوقر عينيها الزرقاوان الجميلتان وتوفت بعدها بايام قليلة , وهكذا صارت زرقاء اليمامة مثلا يضرب على حدة البصر سبحان الله .