وذِكْر أمثلة من جوامع كلم رسول الله يصعب جدًّا؛ لأن هذا يعني مراجعة كل كلماته وأقواله فكلها من جوامع الكلم، كما أن كلها يحتاج إلى شروح كبيرة جدًّا لاستيفاء جزءٍ من المعاني الهائلة فيها، ومع ذلك فإننا يمكن أن نمرَّ على بعض لأقواله لنفهم المقصود من هذا الوجه العجيب من وجوه الإعجاز..
- يقول رسول الله : "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا"(7). ففي هذه الكلمات الموجزة جدًّا شرح لنا رسول الله ما يقبله الله ، وما لا يقبله من أعمال أخرى؛ فهو يقبل الأعمال الطيبة وهذه لا حصر لها، فهو يقبل الصدقات والإصلاح والمعروف والصدق والأمانة والنصرة والهداية والمروءة وآلاف وملايين الأعمال الطيبة. كما أنه بالتبعية لا يقبل أي عمل خبيث؛ فلا يقبل السرقة ولا الخيانة ولا الجبن ولا الخداع ولا الغش ولا الفاحشة، ولا غير ذلك من آلاف وملايين الأعمال الخبيثة؛ فصارت الكلمات القليلة التي قالها رسول الله ركنًا عظيمًا من أركان الإسلام.
وعلى نسق هذا المثال تدبر في أقوال رسول الله ، والتي منها ما يلي:
- "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ"(.
- "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ"(9).
- "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ"(10).
- "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"(11).
- "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ"(12).
- "الصَّوْمُ جُنَّةٌ"(13).
- "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"(14).
- "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ"(15).
- "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ"(16).
هذه هي بعض الأمثلة، وهو باب لا نهاية له، وبحر لا ساحل له، وهي إحدى معجزات رسول الله الباهرة، ومن أعظم دلائل نبوَّته.
د. راغب السرجاني
ـــــــــــ
المراجع و المصادر :
[1] رواه العجلوني في كشف الخفاء 1/263، وذكر أنه حديث مرسل وله شواهد في الصحيح.
[2] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي : "َنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَة شَهْرٍ".(2815).
[3] البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (1)، وأبو داود (2201)، وابن ماجه (4227).
[4] البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2550)، ومسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718).
[5] البخاري: كتاب البيوع، باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبَّهات (1946)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (1599).
[6] ابن رجب الحنبلي: جامع العلوم والحكم 1/9.
[7] مسلم: كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1015)، والترمذي (2799)، وابن ماجه (2613)، وأحمد (8330).
[8] الترمذي (2318)، وأحمد (1737)، وقال الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (5911) في صحيح الجامع.
[9] ابن ماجه (4102)، والحاكم في مستدركه (7873)، والطبراني في الكبير (5982)، وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (922) في صحيح الجامع.
[10] أحمد (2804)، والحاكم (6303)، والطبراني في الكبير (11585)، وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (2961) في صحيح الجامع.
[11] البخاري: كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة (1351)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة (1016).
[12] البخاري: كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة (5675)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1005).
[13] النسائي (2224)، وقال الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (3865) في صحيح الجامع.
[14] مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (91)، وابن ماجه (59)، وأحمد (3947).
[15] مسلم: كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام (2003)، وابن ماجه (3390)، وأحمد (4830).
[16] الترمذي (3895)، وابن ماجه (1977)، والدارمي (2260)، وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (3314) في صحيح الجامع.